الثلاثاء، 22 أبريل 2014

صوم يوم عرفة في عرفة للحاج


بسم الله الرحمن الرحيم


صوم يوم عرفة في عرفة للحاج


أجمع العلماء على أنَّ يوم عرفة جائز صيامه للمتمتع إذا لم يجد هديًا [1]، وأنه يستحب صيامه لغير الحاج، واختلفوا في حكم صوم يوم عرفة في عرفة للحاج على خمسة أقوال:
  القول الأول:
يكره صومه للحاج، وهو قول عمر [2]، وابنه عبد الله [3]، وهو مذهب مالك [4]، واختاره الترمذي [5]، والشوكاني [6]. أدلة هذا القول:
الدليل الأول:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفات [7].  
ونوقش:
بأنه حديث ضعيف لا يصح، ولا تقوم به حجة [8]
  الدليل الثاني:
حديث جابر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس من البر الصوم في السفر" [9].  
والحاج مسافر، فيكره صومه في عرفة.
الدليل الثالث:
سئل ابن عمر رضي الله عنه عن صوم يوم عرفة بعرفة؟ فقال: حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه، ومع أبي بكر فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه، ومع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه، ولا آمر به ولا أنهى عنه [10].  
ووجه الاستدلال أنَّ صوم يوم عرفة للحاج بعرفة مكروه، لاختيار النبي صلى الله عليه وسلم ، وخلفائه الراشدين [11]. 
  وهذا ما كان يفتي به ابن عمر –راوي الحديث- فعن أبي السوار [12] قال: سألت ابن عمر عن صوم يوم عرفة فنهاني [13].
 الدليل الرابع:
حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب" [14].  
ووجه الاستدلال من الحديث أنَّ عرفة يوم عيد لأهل عرفة؛ لاجتماعهم فيه، فيوم عرفة يوم طعم وشرب، كما أعلمهم في بقيتها أنها أيام طعم وشرب، فيكره صومه، إلا أنَّ هناك صارفًا من التحريم إلى الكراهة وهو حديث ابن عمر رضي الله عنه حين قال بعد حكاية فعل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه قال: ... وأنا لا أصومه، ولا آمر به ولا أنهى عنه.
ونوقش:
بأنَّ ذكر يوم عرفة في هذا الحديث غير محفوظ، وإنَّما المحفوظ عنه صلى الله عليه وسلم من وجوه بلفظ: "يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق أيام أكل وشرب" [15].
الدليل الخامس:
عن عبيد بن عمير قال: كان عمر ينهى عن صوم يوم عرفة [16].  
الدليل السادس:
إنَّما كره صومه من أجل الضعف عن الدعاء والعمل في ذلك اليوم المعظم، الذي يستجاب فيه الدعاء [17].
  القول الثاني:
يستحب فطر يوم عرفة لمن في عرفة، وهو مذهب [18] أبي بكر، وعمر، وعثمان، وابن عباس، وابن عمر، رضي الله عنهم، والثوري [19]، والشافعي [20]، وأحمد [21]، واختاره الطبري [22].
  أدلة هذا القول:
الدليل الأول:
حديث أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها قالت: أنَّ ناسًا اختلفوا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه [23]
  ووجه الاستدلال أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ما كان صائمًا يوم عرفة، وتبين ذلك لأصحابه بتناوله لبنًا في قدح وقت العصر، والسبب في ذلك حتى لا يعجز عن الدعاء عشية عرفة، فلا يعدله فيما نظن دعاء وذكر في غيره [24].  
ونوقش:
فيه نظر لأنَّ فعله المجرد لا يدل على نفى الاستحباب؛ إذ قد يترك الشيء المستحب لبيان الجواز ويكون في حقه أفضل لمصلحة التبليغ [25]. الدليل الثاني:
سئل ابن عمر - رضي الله عنه - عن صوم يوم عرفة بعرفة؟ فقال: حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه، ومع أبي بكر فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه، ومع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه، ولا آمر به ولا أنهى عنه [26]
  فهذا نصّ على فعله صلى الله عليه وسلم وفعل خلفائه الراشدين حيث تركوا صوم يوم عرفة فدلَّ على استحباب تركه.
الدليل الثالث:
حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب" [27].
 والمراد به استحباب فطره في حق الحاج؛ لأنه عيد [28].
الدليل الرابع:
أنه إنَّما أفطر صلى الله عليه وسلم بعرفة ليدل على أنَّ الاختيار في ذلك اليوم، في ذلك الموضع، للحاج الإفطار دون الصوم؛ كي لا يضعف عن الدعاء، وقضاء ما فرضه الله تعالى من مناسك الحج [29].
القول الثالث:
يستحب صيام يوم عرفة بعرفة، وهو قول [30] عائشة، وابن الزبير، وعثمان بن أبي العاص رضي الله عنهم، وعروة [31]، والقاسم [32]، وإسحاق [33]، واختاره ابن حزم [34].  
أدلة هذا القول:
الدليل الأول:
حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده" [35].
وهذا نصٌّ عام يدخل تحته كل مسلم حاج وغير حاج، من كان بعرفة أو كان بالآفاق. 
ونوقش:
بأنه قد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أفطر بعرفة، وصحَّ عنه أنَّ صيام يوم عرفة يكفر سنتين
فالصواب أنَّ الأفضل لأهل الآفاق صومه ولأهل عرفة فطره؛ لاختياره - صلى الله عليه وسلم - ذلك لنفسه وعمل خلفائه بعده بالفطر [36].  
القول الرابع:
يستحب صيام يوم عرفة بعرفة إلا لمن كان الصيام يضعفه عن الدعاء، وهو قول عطاء [37 ]، ومذهب أبي حنيفة [38].  
أدلة هذا القول:
دليلهم حديث أبي قتادة رضي الله عنه الذي مرَّ في أدلة القول الثالث- وأنَّ صيام يوم عرفة يكفر سنتين، لكن إذا ضعف عن الدعاء والابتهال فيستحب له الفطر، فإن وجد قوة فالأفضل في حقه الصوم؛ للفضيلة العظيمة في صيام يوم عرفة.
القول الخامس:
حرمة صوم يوم عرفة بعرفة، ويجب إفطاره، وهو مذهب [39] يحيى بن سعيد الأنصاري، وانتصر له الصنعاني [40]، والشيخ ابن باز [41].  
أدلة هذا القول:
هي أدلة القول الأول إلا أنهم حملوها على التحريم لا الكراهة.
الترجيح:
الذي يظهر رجحانه -والله أعلم- هو القول الثاني القِائل باستحباب الفطر للحاج يوم عرفة، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه [42] ، وبه تجتمع الأدلة ولا تختلف، ولضعف أدلة القائلين بالحرمة، لاسيما حديث "نهى عن صيام يوم عرفة بعرفة".


كتبه : عرفات بن حسن المحمدي
المدينة النبوية قبل عصر الخميس 5 / 12 / 1434 هـ
___________________________________________________
(1) انظر: التمهيد (21/164).
(2) انظر: سنن النسائي (2/154)، تهذيب الآثار (1/361-362تحقيق شاكر).
(3) انظر: مصنف عبد الرزاق (7833)، سنن النسائي (2/154)، تهذيب الآثار (1/361-362).
(4) انظر: مواهب الجليل (3/311).
(5) حيث بوب في جامعه في كتاب الصوم (باب كراهية صوم يوم عرفة بعرفة) (3/116).
(6) انظر: نيل الأوطار (4/308).
(7) أخرجه أبو داود (2440)، والنسائي في الكبرى (2830)، وابن ماجه (1732)، وأحمد (8013)، وابن أبي شيبة (13556)، وابن خزيمة (2101)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/72والحاكم (1/434)، والبيهقي(4/284).
قلت: صححه ابن خزيمة، والحاكم، ووافقه الذهبي! وقال عن إسناده في سير أعلام النبلاء (10/683) : (لا بأس به)!
قلت: في إسناده مهدي بن حرب العبدي الهجري، وهو لا يعرف كما قال ابن معين.
وقال العقيلي في الضعفاء (1/320): (لا يتابع عليه... ولا يصح عنه أنه نهى عن صومه).
انظر: الجرح والتعديل (8/337)، تهذيب الكمال (28/586)، ميزان الاعتدال (4/195).
(8) انظر: التلخيص الحبير (2/213)، السلسلة الضعيفة (404).
(9) أخرجاه في الصحيحين.
(10) أخرجه الترمذي (751)، والنسائي (2827)، وأحمد (5080)، وعبد الرزاق(7829)، والدارمي (2/23) وابن أبي شيبة (13551)، وأبو يعلى (5595)، وابن حبان (3604).
قال الترمذي: (هذا حديث حسن). وحسنه البغوي في شرح السنة (6/347).
قلت: اختلف في إسناده، فبعض الرواة يدخل واسطة بين أبي نجيح وابن عمر وبعضهم لا يدخل.
(11) انظر: تهذيب السنن (3/1245).
(12) كذا، والصواب أن الراوي عن ابن عمر هو أبو الثورين، كما صوبه أحمد وأبو حاتم وابن معين والبخاري، والخطأ فيه من شعبة. وأبو الثورين هو محمد بن عبد الرحمن الجمحي القرشي رجل من أهل مكة مشهور، وقد وقع في المعرفة والتاريخ للفسوي (2/211) التصريح باسمه.
انظر: العلل لأحمد (2/181)، العلل لابن أبي حاتم (3/10-11)، تاريخ ابن معين (1/79)، التاريخ الكبير (1/150).
(13) أخرجه النسائي في الكبرى (2823)، وأحمد في علله (1935)، والطبري في تهذيب الآثار (594)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (2/211).
وله شاهد عند عبد الرزاق (4/284)، من طريق عبد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر...
(14) أخرجه أبو داود (2419)، والترمذي (773)، والنسائي (5/252)، وأحمد (17379) وابن خزيمة في (2100)، والطحاوي في شرح المعاني (2/71)، والطبراني في الكبير (17/291) (803)، وابن حبان (3603)، والحاكم (1/434)، والبيهقي (4/298).
قال الترمذي: (حديث حسن صحيح). وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم.
وقال الحافظ في تغليق التعليق (2/385): (حديث صحيح).
انظر: إرواء الغليل (4/130).
(15) التمهيد (21/163).
(17) أخرجه النسائي في الكبرى في (كتاب الصيام-النهي عن صوم يوم عرفة بعرفة) (2/156) (2832).
(18) انظر: التمهيد (21/164)، المغني (4/445).
(19) انظر: السنن الكبرى للنسائي (2/153-156).
(20) انظر: تهذيب الآثار للطبري (1/360تحقيق شاكر)، الاستذكار (4/235).
(21) انظر: روضة الطالين (2/387).
(22) انظر: المقنع لابن البنا (2/574).
(23) انظر: تهذيب الآثار (1/352تحقيق شاكر).
(24) أخرجه البخاري (1988)، ومسلم (1123).
(25) انظر: نهاية المطلب (4/73).
(26) انظر: فتح الباري (4/238).
(27) سبق تخريجه وهو حديث حسن. (28) سبق تخريجه وهو حديث صحيح.
(29) انظر: كتاب الصيام من شرح العمدة لابن تيمية (2/568).
(30) تهذيب الآثار (1/352تحقيق شاكر).
(31) انظر: مصنف ابن أبي شيبة (8/195)، تهذيب الآثار (1/365-366)، المحلى (4/439) الاستذكار 4/(235)، شرح السنة للبغوي (6/345).
(32) انظر: تهذيب الآثار (1/367تحقيق شاكر).
(33) انظر: مصنف ابن أبي شيبة (8/195)، تهذيب الآثار (1/368).
(34) انظر: مصنف ابن أبي شيبة (8/195).
(35) انظر: المحلى (4/437).
(36) أخرجه مسلم (1162).
(37) انظر: تهذيب السنن (3/1245)، نيل الأوطار (4/308).
(38) انظر: مصنف عبد الرزاق (4/284).
(39) انظر: إعلاء السنن (9/178).
(40) انظر: فتح الباري (4/238)، نيل الأوطار (4/308).
(41) انظر: سبل السلام (2/348).
(42) انظر: مجموع فتاوى ابن باز (15/405-406).
(43) انظر: إكمال المعلم (4/75).